المستقبل للإسلام:سنة الله ودرس التاريخ

نحن أمة..بعد تجربة أربعة عشر قرنًا - لم تدرس تاريخها، ولم تستخلص منه العبر على النحو الذى يليق به وبها... - ونحن - كذلك - أمة لم تدرس مصادر دينها وحضارتها من قرآن وسنة - بعد أربعة عشر قرناً - دراسة سننيّة وحضارية، لتدرك منها موقعها الصحيح الذى أراده الله لها فى معترك الحضارات.. بعد أن كلف الله نبيها وإمامها العظيم بحمل راية (النبوّة الخاتمة) وبعد أن استهلَّ الله لها وجودها المادى والمعنوى بآيات {اقًرأً بٌاسًمٌ رّبٌَكّ پَّذٌى خّلّقّ} فتحددت رسالتها فى تقديم الدين الصحيح الخاتم الذى ينصف كل الرسالات وكل الأنبياء.. ويعيد للنبوّة - فى معترك الأفكار والعقائد والحضارات المتوالية - صفاءها وتألقها، كما أنزلت على الأنبياء من السماء نقيَّة غضة لا تحمل شوائب أو نفايات أفكار وضعية أو إسقاطية.. كما تحددت رسالتها أيضًا فى تقديم العلم الصحيح مع الدين الصحيح.. فالقراءة للكون أو للحياة أو للأفكار يجب أن تكون {بٌاسًمٌ رّبٌَكّ پَّذٌى خّلّقّ}.. ولا تكون مجرد قراءة نفعية يقوم تسخيرها للطاقات التى تبثها فى الكون على القهر والإذلال والعبث والمتعة العابرة وإشباع الغرائز والأنانية والمادية والعنصرية.. وإنما يقوم هذا التسخير على الحبّ والتراحم والإفادة من طاقات الكون بطريقة كريمة تحفظ لمفردات الكون - من حيوانات ونباتات وجمادات - لحقوق وجودها فى إطار من التسخير العادل الرحيم الذى تتَّجه النيَّة فيه إلى تعمير الكون "باسم الله الخالق"... وتتحدد الغاية منه (العبادة لله الرازق) وتتخذ فيه وسائل تليق بطريق يقصد منه الوصول إلى الحق والنفع العام ورضا الله.


الإسلام: قدرة دائمة على الانبعاث لكن المسلمين بعد قرون الألق الأولى اهتزت فى رؤيتهم الفكرية وسلوكياتهم العملية طبيعة الرسالة التى كلفوا بها.. فغالوا فى بعض جوانب الدين دون أن يمزجوا فكرهم بالرؤية الشمولية وبالعلم الإيجابى الذى يبنى ولا يهدم، ويجمع بين قراءة الوحى والعقل والحياة والكون، ويستخلص - من مجموع هذه القراءات - قوانين فى عالم الفيزياء والنفس والفلك والطب والاجتماع والسياسة والاقتصاد، وغيرها.. ومع ذلك.. -أى مع هذا الانحراف الجزئى- فإنهم قد قدموا الكثير وغيرَّوا مجرى الحضارة لنحو عشرة قرون، حتى كلت سواعدهم، وأصاب الغبش أبصارهم.. فقبلوا الواقع المريض، وظهرت فيهم عوارض المرض الخطير، وهو "القابلية للإذلال" والتكيف معه، سواء كان هذا الإذلال قادمًا من الخارج "القابلية للاستعمار" - حسب تعبير مالك بن نبى - أم كان قادمًا من الداخل.. (القابلية للتكيف مع حكم الجور وحكومات الاستبداد والظلم)...


نعم: لقد ظهرت هذه القواطع كثيرًا فى تاريخنا بتأثير اضمحلال فكرى أو قهر سياسى أو تذبذب طارىء وقع فيه الفصل النسبىّ بين حركة الدين والعلم... لكننا - مع كل ذلك - لم تهزمنا الضربات العسكرية ولا الغزوات الفكرية أو القهر السياسى الداخلى.. وما يتبعه من تمزق وفوضى.. لقد بقينا دائمًا - بقيادة صفوة مؤمنة مجددة واعية - قادرين على الانبعاث والاستئناف، والعودة إلى وقود مصادرنا الأصلية التى لا يأتيها الباطل - قرآنا وسنة وسيرة عملية نبوية -. وكم من مرات وقعنا، وظن الذين لم يفقهوا السنن القرآنية ولا النبوّية ولا موقعنا الحضارى أنها (نهاية التاريخ) بالنسبة لنا .. لكننا سرعان ما يظهر منا الفارس المؤمن الواثق بدينه ووعود ربّه فى قرآنه الكريم.. وسرعان ما يلتفّ الناس حول أساتذته الذين علموه حقيقة الإسلام، ورجال آخرون مخلصون كانوا ينتظرون اللحظة... وبه - وبهم - يعود قطار الأمة إلى قضبانه الصحيحة، ولا تمضى سنوات قليلة، أو عقد من العقود، حتى تتحرك الأمة؛ مثبتة أنها - بحق وعلى الرغم من الخائنين والمنافقين - خير أمة أخرجت للناس، وأنها الأمة الباقية إلى يوم القيامة، شهيدة على الناس، حارسة لموازين القيم والأخلاق الجديدة بالإنسان، ولميزان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، كما أراده الله.. تجارب العصر المثالى (النموذج) انظر منذ بداية تجربتنا الإسلامية القرآنية المحمدية على الأرض - كيف نجا رسول الله محمد بن عبد الله وصاحبه الصديق (ثانى اثنين) رضى الله عنه من حصار عنيف وتخطيط إبادى للدعوة ورجالها حين خرج مهاجرًا ليبنى دولة الإسلام الأولى فى يثرب التى أصبحت "مدينة رسول الله #. ولم تمرّ سنوات قلائل حتى كان قائد هذه "الدولة" المدنية - يخاطب - بقوة إيمانية- أباطرة العالم القديم وملوكه يدعوهم إلى الإيمان بالله وبرسالته، جامعًا فى خطابه بين أدب الدعوة.. وقوة البلاغ.. غير مرتاب ولا هياب!!


وانظر كيف نكصت كثير من قبائل العرب على عقبيها بعد وفاة القائد الأعظم والإمام الأتقى والأذكى.. فارتدّت عن الإسلام رافضة دفع الزكاة.. أو منحرفة عن الإسلام كله خلف دجالين كذابين من أمثال مسيلمة الكذاب. لكن الرجل الذى يوزن إيمانه بإيمان الأمة كلها..أبو بكرالصديق رضى الله عنه لم يأبه بكل المعادلات المادية والعسكرية وقاتلهم قتال حياة أو موت بأحد عشر جيشًا أخرجهم من مدينة الإسلام وممن حولها من المؤمنين الثابتين - ونصره الله ونصر جيوشه - ولم يقف النصر عند هذا الحدّ، بل بدأ ينتقل من موقع الدفاع والانكفاء فى المدينة وما حولها - إلى موقع الانسياح فى الأرض. خروجًا بالمعركة إلى أرض الأعداء.. وإشعارًا للعالم بأن هناك خلافة إسلامية عظمى تقود دعوة الإسلام وحركته فى العالم.


وانظر إلى ما يسميه بعضهم بالفتنة الكبرى (35 - 41هـ) التى وقعت بين الصحابة بتأثيرٍ يهودى ونفاقىّ وفارسىّ.. وظن بعضهم أن الإسلام سينتهى بين الكوفة (عاصمة الإمام على) ودمشق (قلعة معاوية) "رضى الله عنهما" وأن أمر الجزيرة قد انتهى إلى الخمول والتآكل..


لكن سرعان ما أدرك الحسن رضى الله عنه "وجزاه عن الإسلام خير الجزاء" مصلحة الإسلام العليا فآثرها غير مبال بسفاهة السفهاء ولا باعتراض المعترضين.. وكان عام (41هـ) هو عام الجماعة - وحمل بنو أمية (41 - 132هـ) راية الجهاد وفتحوا معظم أقطار العالم القديم. غارات قاتلة يعبرها الإسلام وانظر إلى الحروب الصليبية التى استمرت أكثر من قرنين من الزمان، وكانت غارة عامة تعاونت عليها أوروبا كلها، وأرادت منها أن تكون احتلالاً كاملاً لبلاد العرب مشرقها ومغربها.. وحتى مكة المكرمة ومدينة رسول الله فكرَّ بعض الصليبيين الحمقى فى اجتياحهما.. مثل القائد الصليبى المجرم (أرنولد - أرناط) الذى قتله صلاح الدين الأيوبى بيده لكثرة جرائمه واستخفافه بالإسلام وبرسول الله محمد #. لقد استولى المسلمون على القلاع الصليبية كلها (طرابلس والرها وأنطاكية وبيت المقدس) بفضل عماد الدين زنكى ونور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبى، ثم بفضل دولة المماليك وريثة بنى أيوب.


ولا نستطيع أن نتجاهل درس التتار المروِّع الذى حول بغداد إلى أنهار من الدماء وأسقط الخلافة العباسية سنة 656هـ... وظن الناس أن سقوط الخلافة العباسية يعنى قرب يوم القيامة، و(نهاية التاريخ).. لكن - وهذا من معجزات الإسلام العظمى - لم يمض أكثر من عامين حتى كان المماليك بقيادة الفارس المسلم (سيف الدين قطز) وبرعاية العالم التقىّ الورع الذى لم يخش فى الحق - ولا فى الجهاد - لومة لائم "العزّ بن عبد السلام"... حتى كان التتار يضربون من جنود الإسلام الضربة التى قضت عليهم وعلى كل آمالهم وذلك فى موقعة "عين جالوت" سنة (658هـ) تحت راية (واإسلاماه) التى رفعها سيف الدين قطز (رضى الله عنه).. ولم تمض سنوات أخرى بعد (عين جالوت) إلا وكان هؤلاء التتار قد أسلموا بعد أن عرفوا الإسلام بعيدًا عن جوّ الحروب وصدام الحضارات والتشويه والكذب الذى يتعامل بعضهم به - ضمن إستراتيجيتهم - مع خصومهم.. حتى ولو كان خصومهم هؤلاء أرقى منهم حضارة وأذكى منهم عقولاً ونفوسًا. الإسلام من الدفاع إلى الهجوم وها هى حركة الإسلام فى التاريخ تقدم - بفضل الله - معجزة كبرى فقد تحول المسلمون من الدفاع إلى الهجوم، وظهرت الخلافة العثمانية سنة (720هـ - 1299م) التى ظل اسمها يرعب أوروبا.. لمدة أربعة قرون، وقد سيطر العثمانيون على أوروبا الشرقية، واقتربوا من قلب أوربا الغربية لولا ظهور الخونة "الصفويين مدّعى التشيع" الذين ضربوا العثمانيين من الخلف.. واضطروهم لتغيير خططهم والانسحاب من أوروبا الغربية!! لكن دولة آل عثمان حَمَت العالم الإسلامى من الغزو الصليبى الذى أراد عبور جبل طارق وجزيرة طريف وغزو العالم العربى من الشمال الإفريقى، بعد أن فشل فى غزوه من الشرق البيزنطى... ونجح العثمانيون فى استعادة ما كان الصليبيون قد استولوا عليه فى تونس والجزائر والمغرب الأقصى.. وطردهم تمامًا من هذا الجانب.. ونجحوا أكثر فى ضرب أوروبا شرقًا ضربة قاضية حين استولوا على (القسطنطينية) وشرق أوروبا وقضوا على الامبراطورية الرومانية الشرقية، وحصروها فى الجانب الأوروبى الرومانى الغربىّ.. وكان ذلك بقيادة شاب لم يتجاوز سنة الثانية والعشرين.. وهو الفاتح العظيم (محمد بن مراد الثانى) رضى الله عنه. وكما تعاونت أوروبا فى حروبها الصليبية الأولى تعاونت - كذلك فى حروبها الصليبية الثانية -ضد الخلافة العثمانية، حتى أسقطتها بقيادة بعض الخونة من العرب والأتراك واليهود سنة (1924م - 1342هـ).


ومع انفراط عقد العالم الإسلامي، ومع الاحتلال الأوروبى (بريطانيا وفرنسا بخاصة) لكثير من أقطار المسلمين الكبرى والصغرى، والقيام بحركة تمزيق كبرى إلى مجموعة من الدولة القطرية المستبدة الوريثة للاستعمار، والتى كثيرًا ما تحمل مسمى (الدولة) - أو الدولة المستقلة - والتى فاوض رجال الاستعمار قياداتها الاستقلالية - غير الإسلامية - على خطة للاستقلال تحتفظ للدولة باستقلالها الجغرافىّ القطرى (التمزيقى) وبشعار (الدولة المستقلة) وتحتفظ دولة الاستعمار لنفسها ببقية أوراق الحياة.. اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا.. انبعاث الأمة الإسلام ية ومع ذلك كله تألقت الأمة المسلمة، وحملت الراية الإسلامية، ولم تتركها لطبقات الساسة يساومون عليها أو يتاجرون بها، حفاظًا على مقاعدهم وامتيازاتهم.. وظهر مصلحون ومجددون هنا وهناك يحاولون تبصير "الدولة المستقلة" بوظيفتها ويحملون همّ بذر بذور الإيمان، ويبعثون فى الأمة روح الأمل؛ انطلاقًا من أن (اليأس) فى القرآن صفة مقرونة بالكفر "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"، وانطلاقًا من "إشراقات الأمل" التى كانت لازمة من لوازم قائدهم الأعظم ونبى الله الكريم محمد عليه الصلاة والسلام فى أصعب المواقف.. حتى وهو فى (الخندق) وحتى عندما لحق به (سراقة بن مالك فى الهجرة) .. وانطلاقًا من طبيعة رسالتهم التى يجب أن تبقى لأنها (النبوّة الخاتمة) التى لا نبوّة بعدها، ومن أنهم جميعًا (أمة متبعة عليها واجب البلاغ) بأمر ربها فى القرآن، وبأمر نبيها فى السنة، حتى ولو قامت القيامة.. وبيد أحدهم فسيلة، فإن عليه أن يغرسها. وكذلك انطلاقًا من تجربتهم التاريخية الحافلة بالصراع مع أهل الباطل.. كفارًا كانوا أو منافقين.. صفوة مؤمنة وأمة واعية وحفلت هذه المرحلة الأخيرة بدعاة ومفكرين من طراز نادر، دعوا إلى الاستقلال الحقيقى، والانبعاث الحضارى، ومقاومة اليأس، والجمع بين التدين الرشيد والعلم السديد، والأخذ بأسباب التقدم والإيمان بالتفوق الإيمانى والقيمى والعقلى فى نظرته للإنسان والكون والحياة والعلاقة بالله..


وقد أثبت هولاء - والأمة من ورائهم بحق - أننا أمة لم تستسلم قط لليأس ولم تتعوّد عليه (كما يقول المفكر المسلم سيد نقيب العطاس)؛ إذ ليس مسموحًا لنا فى عقيدتنا الإسلامية التوحيدية أن نيأس وأن نفقد الثقة بأنفسنا؛ وليس من الممكن لنا أن نجلس مكتوفى الأيدى دون أن نعمل شيئًا غير الصراع فيما بيننا والهذيان بالشعارات الفارغة والحركات السلبية... لقد بدأ الوعى بهويّتنا الإسلامية يلوح فى الأفق ويتفتق فى ضمير الأجيال الصاعدة من المسلمين.


وعندما يصل هذا الوعى إلى مرحلة الصحوة التامة بفضل شروق شمس المعرفة، سينبعثُ يومها من بيننا رجال ونساء ذوو نضج روحى وفكرى نابع من صميم الأصالة، وسيؤدون المهمة المنوطة بهم بحكمة ورصانة ترفع راية الحق عالية بإذن الله تعالى.


إننا نقول لكل المسلمين.. المؤمنين حقًا بالقرآن وبرسالة النبوّة الخاتمة:


من أين لكم اليأس وهل فى دينكم شيء يسمح به، ولماذا لا تعملون وتأخذون بالأسباب فى حدود (إلا وسعها - و - إلا ما آتاها) ثم تتركون الأمر لله الذى حوَّل (عصا موسى).. وهى مجرد عصا - إلى أداة سحرية تفلق البحر ويَضرب بها موسى الحجر - واثقًا فى الله - فتنبجس منها اثنتا عشرة عينًا يشرب منها قوم موسى؟!!


وهل تتذكرون قصة صاحبنا الذى أسلم فى أيام الخندق بعد أن زلزل المؤمنون زلزالاً شديدًا.. إنه نعيم بن مسعود.. الذى أخبر الرسول بإسلامه وعرض عليه خدمات فى هذا الوقت العصيب، فقال له الرسول كلمة واحدة.. كأنها (منهاج عمل): - خذّل عنا - فاستطاع الإيقاع - بسلاح التخذيل - بين قريش واليهود، وبدأت رحلة هزيمة المشركين.. مع أنه (رجل واحد)!! امكانات عصرية قليلة ونجاحات كثيرة ولم يخل عصرنا الحديث من دروس رائعة للأمل.. مع قلة الإمكانات، وأحيانًا مع انعدامها.. لكنه الإيمان، ولكنها الثقة فى الله صانعة هذه المعجزات لهذا الدين الخالد خلود الشمس والقمر.. ففى أحلك ظروف سقوط الخلافة العثمانية - سنة 1924م فى تركيا - ومع زحف اليهود والصليبيين والعلمانيين والتخطيط لتجفيف منابع الإسلام.. ظهر بعض الرجال العظماء الذين قاوموا اليأس، وجاهدوا، وأنقذوا عشرات الملايين من براثن الإلحاد والإنحلال.. بعيدًا عن الصدام بالسياسة أو الانشغال بها أو بأهلها.. وكان لبديع الزمان سعيد النورسى، وتلميذه العظيم فتح الله كولن، وسليمان حلمى، وغيرهم.. اليد الطولى فى هذا الطريق الرائع الذى شق مجرى جديدًا ليبعث المسلمين ويعود بالإسلام إلى مكانته بأسلوب عصرى ملتزم لخدمة هذا الدين الصالح لكل زمان ومكان.. ولأن المجال لا يسمح باستعراض هذه التجارب الرائعة التى نجحت نجاحًا تجاوز كل الحدود لقيامها على الثقة فى وعود الله والأمل فى عودة الإسلام للقيادة. نكتفى بتقديم بعض الكلمات التى التزم بها إمام من أئمة النهضة الكبار، وهو بديع الزمان النورسى لنضعها.. ونخضع تجربته فى الأمل والثقة والعمل.. بين يدى أمتنا.. ممثلة فى دعاتها وشعوبها وحكامها..


يقول المجدد (النورسىّ) الذى عاش فى عصر (أتاتورك) و(سقوط خلافة آل عثمان) و(ظروف إخراج الإسلام من تركيا وإحلال اللادينيّة)... يقول على الرغم من كل هذه الأوضاع: "إن الحق المغلوب أمام باطل، ليس مغلوبًا بذاته... وإنما بوسائله.. ولكن (الحق يعلو)... بذاته - أولا - ويعلو بالعاقبة - ثانيًا - فالعاقبة دائمًا للمتقين!! و"إذا ما انتصر الباطل - فى مكان وزمان معيَّنين - فقد كسب معركة... لكنه لم يكسب الحرب كلها؛ لأن "العاقبة للمتقين"!! "يا معشر المسلمين: لقد أزف بزوغ أمارات الفجر الصادق، ودنا شروق شمس سعادة عالم الإسلام الدنيوية... وإننى أعلن بقوة وحزم؛ بحيث أسمع الدنيا كلها - (وَأنْفُ اليأس والقنوط راغم)-: أن المستقبل سيكون للإسلام، وللإسلام وحده... إن الحكم لن يكون إلا لحقائق القرآن والإيمان...". الإسلام وحدهالمؤهل لقيادة المستقبل "إن مَدَنيّة الإسلام التى تتضمنها الشريعة الغراء هى وحدها التى ستظهر وتسود عند انقشاع هذه المدنيّة الأوروبية التى تقوم على (القوة) و(المنفعة) و(العنصرية) و(الصدام) و(الهوى).. وإن الإسلام - وحده - هو الذى يملك أسس الحضارة الإيجابية البناءة.. القائمة على (الحق) و(الفضيلة) و(الرابطة الدينية والوطنية الإنسانية) و(التعاون)... إن المدنيّة الإسلامية قادمة قريبًا بإذن الله؛ لتضع (الهدى) بدل (الهوى).. ولتحكم - من خلال أسسها الإيجابية - على الخدمات التى تقدّم للبشر فى ظل ضوابط (الهدى) التى من شأنها رفع الإنسانية إلى مراقى الكمالات.. بينما شأن (الهوى) الذى يقود المدنية الأوروبية.. أن يرتدَّ بالإنسانية إلى أسفل سافلين..


وأنتم.. أيها المسلمون القادمون بعدنا الصاعدون إلى ذرى المستقبل الرفيع.. لقد جئنا نحن فى شتاء الحياة.. أما أنتم فطوبى لكم ستأتون فى ربيع زاهر كالجنّة.. إن ما نزرعه اليوم وما نستنبته من بذور النور سيتفتح أزاهير يانعة فى أرضكم.. ونحن ننتظر منكم لقاء خدماتنا أن تعوجوا إلى قبورنا وأن تغرسوا بعض هدايا ربيع الإسلام على قمة القلعة التى تضم أجسادنا..


أجل إن يوم الإسلام قادم... وإن مئات المبشرات تؤكد لذوى الألباب والبصائر اقتراب هذا اليوم.. لقد عاشت البشرية أكثر من ثلاثة قرون تحت وطأة مدنية لا تعرف الرحمة ولا السلام.. فحروبها موصولة، وصدامها الحضارى لا يهدأ.. ومشروعات تدميرها النووى والأخلاقى للحياة والكون لا تنتهى.. ولا حدود لها.. وقد حان وقت العودة.. عودة الإنسانية إلى الرحمة والتعارف والعدل.. وقد آن للبشرية أن تستظل براية الإسلام وتستريح.. "ولو كره المشركون".